عظة ﻻبينا القديس أنبا يوحنا فم الذهب
أريد أن أذكركم أيها الأخوة بما قلته لكم مرات عديدة وقت تناولنا من اسرار المسيح المقدسة . إذا رأيتكم فى تراخ عظيم وعدم مخافة تستوجب النوح . فانى أبكى لنفسى و أقول فى فكرى: ألعل هؤﻻء عارفون لمن هم قيام أو قوة هذا السر؟ و هكذا أغضب بغير إرادتى . و انى كنت أريد أن أخرج من وسطكم من ضيقة نفسي، و إذا وبخت أحدا منكم ﻻ يكترث لقولى ، بل يتذمر على كأننى قد ظلمته . ياللعجب العظيم أن الذين يظلمونكم ويسلبون أمتعتكم ﻻ تغضبون عليهم كغضبكم على أنا الذى أريد خﻻصكم . أنا خائف و مرتعد حين علمت بعقاب الله الذى سيحل بكم بسبب تهاونكم بهذا السر العظيم. ألعلكم تعلمون من هو هذا الذى تريدون أن تتناولوا منه؟ هو الجسد المقدس الذى لله الكلمة ، ودمه الذى بذله عن خلاصنا . هذا إذا تناول أحد منه بغير استحقاق ، يكون له عقوبة و هلاك.
A homily of our Holy Father Abba John Chrysostom
I want to remind you, with what I repeated reiterated to you concerning our communion with the Holy Sacraments that is of christ. I see you in a state of extreme looseness, permissiveness, and an alarming audacity and lamentable recklessness. I weep over my condition and ask myself: Do these people really know for whom do they stand? Or do these people realize the power of this scrament? At this thought I become angry reluctantly. If I could go away I would have left your community out of distraughtness. If I scold one of you , he disregards my words and resents the reprimand as if I were unfair to him. I am amazed that you do not get angry at those who violate you and plunder your possessions as much as you are angry at me . I who am keen over your salvation. I dread the thought that God's wrath may be inflicted upon you because of your disregard of this great sacrament. Do you really know who is He you want to partake of? This is the Holy Body of God the Word, and His blood that he offered for our salvation. Anyone who partakes of Him undeservingly, will suffer abominable punishment.
من ذا الذي لا يحبك أيتها التوبة، يا حاملة جميع التطويبات إلا الشيطان، لأنك غنمت غناه وأضعت قناياه. القديس يوحنا سابا
Who would not love you, O repentance, who carries all blessings ?, except for the evil one, whose riches and possessions you have acquired.”(St. John Saba)
No one can understand the meaning of the bible if he doesn't acquire familiarity with it through reading (St.Isodore)
رحلة الى السماء
قيمة الاشتراك : القلب كله ولا يقبل جزء منه
تسديد الاشتراك : لصاحب الرحلة يسوع المسيح
طريقة السداد : توبة . دموع حارة. صلاة
نقطة التجمع : عند قدمي الرب يسوع
المشرف : نعمة الروح القدس
دليل الرحلة : الكتاب المقدس
مدة الرحلة : العمر كله
لوازم الرحلة : ايمان . رجاء . محبة
التغذية : يتكفل صاحب الرحلة بتغذيتنا بجسده ودمه
وسيلة الانتقال : جسد مجاهد متعب
ملاحظة : باب الحجز مفتوح للجميع فبادر واحجز لك وادعو الاخرين معك
أعجبتني عبارة " أﺳﺎﻣﺢ ﻷﺭﺗﺎﺡ ، ﻭ أﺗﻨﺎﺳﻰ ﻷﺑﺘﺴﻢ ، ﻭ أﺻﻤﺖ ﻷﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻳﺪ أن أﺟﺎﺩﻝ ، ﻭ أﺗﻐﺎﺿﻰ لأﻥ ﻻﺷيء ﻳﺴﺘﺤﻖ ، ﻭ أﺻﺒﺮ ﻷﻥ ﺛﻘﺘﻲ باﻟﻠﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﺪﻭﺩ " أجمل ما في التقدم بالسن أنه يجعلك تستصغر أموراً كثيرة كانت تستهلك طاقتك و مشاعرك يوماً ما,فالنضوج يجعلك تعيد ترتيب الأشياء .. لست ملزما أن تجعل لنفسك مكانا في كل قلب ..فقلوب الناس أصبحت ضيقه! حآول فقط زرع احترام ذاتك في نفوسهم فهذا يكفي
عظة ﻻبينا القديس أنبا يوحنا فم الذهب
أريد أن أذكركم أيها الأخوة بما قلته لكم مرات عديدة وقت تناولنا من اسرار المسيح المقدسة . إذا رأيتكم فى تراخ عظيم وعدم مخافة تستوجب النوح . فانى أبكى لنفسى و أقول فى فكرى: ألعل هؤﻻء عارفون لمن هم قيام أو قوة هذا السر؟ و هكذا أغضب بغير إرادتى . و انى كنت أريد أن أخرج من وسطكم من ضيقة نفسي، و إذا وبخت أحدا منكم ﻻ يكترث لقولى ، بل يتذمر على كأننى قد ظلمته . ياللعجب العظيم أن الذين يظلمونكم ويسلبون أمتعتكم ﻻ تغضبون عليهم كغضبكم على أنا الذى أريد خﻻصكم . أنا خائف و مرتعد حين علمت بعقاب الله الذى سيحل بكم بسبب تهاونكم بهذا السر العظيم. ألعلكم تعلمون من هو هذا الذى تريدون أن تتناولوا منه؟ هو الجسد المقدس الذى لله الكلمة ، ودمه الذى بذله عن خلاصنا . هذا إذا تناول أحد منه بغير استحقاق ، يكون له عقوبة و هلاك.
A homily of our Holy Father Abba John Chrysostom
I want to remind you, with what I repeated reiterated to you concerning our communion with the Holy Sacraments that is of christ. I see you in a state of extreme looseness, permissiveness, and an alarming audacity and lamentable recklessness. I weep over my condition and ask myself: Do these people really know for whom do they stand? Or do these people realize the power of this scrament? At this thought I become angry reluctantly. If I could go away I would have left your community out of distraughtness. If I scold one of you , he disregards my words and resents the reprimand as if I were unfair to him. I am amazed that you do not get angry at those who violate you and plunder your possessions as much as you are angry at me . I who am keen over your salvation. I dread the thought that God's wrath may be inflicted upon you because of your disregard of this great sacrament. Do you really know who is He you want to partake of? This is the Holy Body of God the Word, and His blood that he offered for our salvation. Anyone who partakes of Him undeservingly, will suffer abominable punishment.
العظة الوداعية
القديس مكاريوس الكبير
فالآن يا أولادي، وجب علينا إذ قد تركنا محبة العالم ولبسنا زيّ العبادة واتبعنا الرب يسوع، أن نحبه أكثر من الأهل والوالدين والإخوة والأولاد وكل الممتلكات الفانية التي في العالم حتى نكمِّل الوصية ونفوز بتتميم أوامره المقدسة، فننال الطوبى مثل القديسين.
يا أولادي، فرُّوا من الخطية واصبروا إلى الموت في حفظ وصايا الرب، ولا تقبلوا مشورة العدو من جهة كسر أي وصية مهما كانت صغيرة، لأن كسر أي وصية صغيرة كانت ام كبيرة يُغضب الله. إنني أريد أن تكون نفوسكم، يا أولادي، مسكناً دائماً لله حتى تتفكروا على قريبكم بالخير دائماً ولا يكون فيكم مَنْ يذكر الشر لأخيه أو يتحرك بالبغضة عليه، فإن القلب الذي يتفكّر بالشر والبغضة لا يمكن أن يكون مسكناً لله.
لقد علمتم المكتوب: "إن أحببتم بعضكم بعضاً فإن الله يكون ساكناً فيكم"، فاقتنوا الحب بعضكم لبعض لكي تقتنوا لأنفسكم كل تدبيرالفضائل الأخرى في رهبنتكم كل أيام حياتكم. اكشفوا عن وجوهكم برقع الظلمة الذي يمنعكم عن ان تُبصروا حلاوة محبة الأخوة وتعرفوا مقدار كرامة هذه الفضيلة. اسمعوا بولس الرسول كيف يقول: "أنا مسكن الله الحي" (1 كو 3)، فامسكوا هذا في قلوبكم ولا تقولوا الشر على قريبكم أو تُحزنوه لئلا تُغضبوا الله الساكن فيه! لأن كل كرامة يكرِّم بها الإنسان أخاه هي واصلة بالمسيح سبحانه، وكذلك كل ما يُكرَّم به المسكين والغريب، لأنه هو القائل: "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 25)
أطلب إليكم، إذن، أن تفرُّوا من كل وقيعة ودينونة لأنها تُهلك نفوسكم، أما النفس التي لا تقبل الوقيعة ولا تفكّر في السوء على أحدٍ ولا تميل إلى حب المال ولا تميل إلى شهوات العالم، فإنها تستضيء مثل الشمس إذ تصبح نقية سالمة من العيوب. فإن تغلَّبَت عليها الشهوة وسَعَت إلى النميمة والوقيعة والحسد وحب الفضة، فإن بقية الخصال الرديئة تكمل فيها فتنتزع منها نعمة النقاوة والاستضاءة.
اعلموا أن الحكيم إذا وقع في حفرة مرة، فإنه يحترس منها حتى لا يقع فيها مرة أخرى، واعلموا أنه كما كانت الحية إناءً للعدو وبواسطتها هلك آدم ووجب عليه الموت، هكذا أفعال السوء فهي مداخل للعدو الذي بها يُهلك نفس فاعلها. فالواجب، إذاً أن نحفظ أنفسنا جداً لئلا نصير آنية للشيطان.
يا أولادي، احفظوا أسماعكم لكي تبقى قلوبكم نقية، واهربوا من كل نجاسة لأن الذئاب في هذا الزمان كثيرة، وهي تسعى لتخطف الخراف الساذجة. وإن اتفق لأحد منكم أن زلّ وأوجع قلب أخيه بكلام أو وقيعة، فعليه أن يندم في الحال ولا يعود إلى ذلك حتى لا يزيد النار حطباً. وإن هو سمع كلاماً رديئاً عن أحد أخوته، فعليه أن يردّ الكلام إلى الصلاح حتى يملك الحب والسلام بينكم، فيثمر فيكم قول المخلص: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون" (مت 5). وهكذا يحرص كل واحد منكم أن يمدح أخاه في غيبته حتى إذا سمع أخوه ذلك عنه يزداد في محبته.
واعلموا، يا أولادي، هذه الحقيقة: أنّ في قلب الإنسان "سراً إلهياً"، فمتى كان قلب الإنسان غير نقي ونيته غير صافية نحو أخيه أو صاحبه، فلا بدّ أن قلب أخيه يشعر بذلك مهما حاول هو أن يتجمَّل بلسانه نحوه. وكذلك أيضاً من جهة المحبة: إذا كان قلب أخيك يحبك فلا بدّ أن قلبك يشعر بذلك وتحبه. لذلك احرصوا بكل جهد أن لا يتغير قلب أحد منكم على صاحبه. فإن حدث أن سمع أحد كلاماً صدر من أخيه عنه ولم يتحقق أنه صحيح أو كذبٌ، فلا يخبِّئه في قلبه ويحقد عليه ويبدأ أن يتجمَّل بلسانه نحوه وقلبه غير نقي، فهذه الحال تولِّد البُغضة المرّة والحقد، وهي تُغضِب الله.
فالإنسان إذا سمع من أخيه شيئاً يوجع قلبه، عليه في الحال أن يأخذه فيما بينه ويعاتبه عليه، فإن كان صحيحاً يُنبِّهه ألا يعود إلى ذلك، وإن كان كذباً فسيزول ما في قلبه في الحال. ولكن إذا أهمل الإنسان ذلك وتركه جانباً، فإن الحقد يتولّد فيه شيئاً فشيئاً ، وهذا هو هلاك النفس هنا وفي الآخرة
!يا أولادي، كل مَنْ يسمع التأديب ولا يقبله ولا يعمل به فهو خاسرٌ نفسه ويُصبح معذَّب النفس دائماً لا يهداً له سرُّ أبداً، ويصير غضوباً حزينأً كئيباً مهموماً مغموماً كثيرالأفكار، تُطالبه نفسه بعمل الشر وبالكلام الرديء، لأن الأدب هو مثل طريق الملك التي عليها الحراس يحرسونها نهاراً وليلاً، قكل مَنْ يسلكها بالنهار أو الليل يكون آمناً على نفسه. أما الجهالة وقلة السمع والإعجاب بالنفس فهي طريق وعرة غير مسلوكة، وكل مَنْ مشى فيها ضل وتعب وربما هلك، لأن اللصوص والدّعرة موطنهم هناك. وكل مَنْ مشى في الطريق المسلوكة واتفق أن عثر في أمر أو عارضٍ كان عُذره مبسوطاً وعلاجه حاضراً، أما مَنْ ترك عنه طريق الملك واختار أن يسير في الطريق الوعرة فلا عُذر له ولا علاج.
وأنا أطلب منكم بكل قلبي أن لا تغيب الشمس على غضبكم، ولا يبيت أحد منكم وفي قلبه حقد على أخيه، فهل يعلم إن كان يُدركه المحتوم في تلك الليلة فيمضي إلى الرب وهو ملوث القلب نجس الفكر، فيضيع تعبه ويذهب خاسراً الدنيا والآخرة.
أنا أوصيكم، يا أولادي، أن تُبالغوا في خدمة القديسين والمرضى، وادفعوا لهم على قدر قوتكم من عمل أيديكم. واعلموا أنّ عمل كل واحدٍ منكم محسوب له إن كانت خدمة او صلاة أو مطانيات أو دموع أو صوم، حتى الكلمة الواحدة التي يقولها الإنسان بالمحبة لأجل الله للتعزية أو عمل اليدين هذا كله محسوب لكم. فلا تخافوا، يا أولادي، لأن مخلصنا لا يظلمنا بشيء وكل تعبٍ يتعبه أي واحد منا سوف يُستعلن له وقت خروج النفس من الجسد.
فاستيقظوا، يا أحبائي، ولا يظن الذين يأكلون ويشربون ويرقدون بلا مقدار والذين لا يلومون أنفسهم أنهم يتساوون بالذين يتعبون ويسهرون ويحرصون في كل شيء من أجل الله. فاجتهدوا، إذن، وأحبوا التعب. ليكن عندكم تعب الجسد حلواً شهياً بلا ملل، ولكن ليس بتكلُّف، لأن متكلف الشيء ضعيف القدرة عليه ... أمّا المشتهي التعب فيسعى إليه بنشاط وفرح قلب بغير ضجر. وطوبى لمن يبقى في تعبه فرح القلب ويدوم فيه غير متكلِّف عليه، لأنه باب الفردوس المفتوح.
أما الذي يُطيع ضعف الجسد فإنه يصبح في النهاية غريباً من تلك الخيرات المعدّة للمجاهدين، ويستولى عليه الندم في القيامة حينما تُستعلن الأكاليل والمواهب السماوية للذين تعبوا، ويبقى هو بعيداً لا يملك إلاّ الحزن والكآبة التي لا تنفع. ماذا ينتفع الإنسان إذا تنيح (إرتاح) في هذه الدنيا بالطعام والشراب والنعيم الزائل زماناً يسيراً ثم يقع هناك في العذاب الدائم؟!
وأعرِّفكم أيضاً أنّ الذي يُلازم فضيلة واحدة من الصلاح ويفرِّط في فضيلة أخرى يشبه إنساناً أخذ إناءاً وملأه زيتاً وأهمل فيه ثُقباً ثم سافر، فلما وصل إلى نهاية سعيه فرغ الإناء مما فيه ! هكذا كل من يتوقّف عند الاهتمام بوصية واحدة ولا يسلك بالصواب في بقية الفضائل، فإنّ عمله لا يُقبل وتعبه يضيع. فاحرصوا على حالكم وميِّزوا أعمالكم حتى لا يلحقكم تفريطٌ ولا يغلب عليكم هوى، لئلا تصيروا مثل مَنْ يتصدق بكل ما عنده ويعتقد أنه بتلك الصدقة ينجو من عقاب تفريطه في باقي الوصايا.
أو مثل مَنْ يعتقد أنه يخلص بإطعام الآخرين بالخبز أو إضافة الغرباء أو زيارة المحبوسين والمرضى وهو مهمل في بقية الوصايا. أو مثل مَنْ يجتهد في الصلاة ليلاً ونهاراً وهو خالٍ من المحبة أو الرحمة وبقية الوصايا. أو مثل مَنْ يصوم كل زمانه ويحرم نفسه من كل خيرات الدنيا وهو مفرِّطٌ في الوصايا الأخرى. أو مثل مَنْ يتمسّك بالتعفُّف والمسكنة، ثم يقتني الاسترخاء والكسل مقتنعاً أنه بتعففه ومسكنته يخلص. أو مثل مَنْ يلزم الطهارة الجسدية، ثم لا يبتعد من أفكار الشر والوقيعة والحسد، معتقداً أنه بطهارة جسده ينال الملكوت السماوي. هكذا، فإن كل مَنْ يتمسّك بهذه الوصايا المفردة لا يكاد أبداً أن يخلص بها، لأن الوصايا مثل السلسلة متى انفكّت منها عروة تلفت بأكلمها، فمَنْ توانى عن وصية من وصايا ضاع تعبه.
يا أولادي، افهموا كلامي، خذوه وأدخلوه في خزائن قلوبكم، لأنه سيأتي وقتٌ تُسألون فيه عن ثمر كلامي وتعطون جواباً عما سمعتموه مني، فلا تجعلوا كلامي لكم سبب دينونة لأني كلمتكم لأجل خلاصكم وصحة أنفسكم.
اهتموا، يا أولادي، بخلاص نفوسكم وارجعوا إلى الرب بتوبة نقية من الغشِّ، وببكاء وتضرُّع اعترفوا بنقائصكم، ولا تكونوا كالبهيمة التي لا حسّ لها ولا حكمة عقل، تقع في حفرة وتعود إليها. واعلموا أن التوبة قائمة الآن ومستعدة وكل الفضائل تلحقها لكل مَنْ يُجاهد فيها، لأن شأن التوبة جليل وعظيم هو حُسن عاقبتها إلى الأبد ... والذين يثبتون على مرارتها ويتمسكون بمسلكها ولا تتغير قلوبهم عنها يأخذون أجراً عظيماً عنها وينالون الملكوت بسببها، لأن التوبة النقية مفتاح كل الفضائل وبدء كل صلاح وسلّم الخيرات الأبدية، والذي يقتنيها تسهل عليه باقي الوصايا شيئاً فشيئاً.
ولكن التوبة ليست هي عن خطايا الجسد فقط، وإنما عن كل الخطايا سواء كانت للجسد أو للنفس ... وكل مَنْ اجتهد فيها فهو الرجل الكامل الذي بدأ يبني على الصخر!
يا أولادي، أنا أفزع إلى الله مرتعداً من أجلكم حتى لا تُصادوا بفخ الغفلة ولا تميل قلوبكم إلى اعتياد التهاون، لأن ذلك يُبعدكم عن حرارة التوبة ويورِّثكم الندامة في النهاية خيث لا ينفع حينئذ ندم، فما دمتم في الجسد فامسكوا التوبة ولا تدعوها تفلت منكم، لأن كل مَن فارقها فقد فارقته الرحمة وملكوت السموات. اضرعوا دائماً وابكوا بكاءاً قدام مخلصنا حتى تستحقوا سماع الصوت: "مغفورة لك خطاياك". صالح هو مخلصنا، وهو محب البشر يفرح بتوبتكم ويطلب من الآب لأجلكم، ولكن لا تتهانوا أنتم بطيبة قلبه وترجعوا إلى خطاياكم فتصبح الطلبة من أجلكم بلا نتيجة.
فمَنْ هو الجاهل إلاّ الذي ترك عنه التوبة واستكان للاسترخاء والغفلة فينهدم كل ما بناه بالتعب والدموع. أحبوا، إذاً، حلاوة الجهاد لأن التعب والحرص يأتيان بالإنسان إلى الراحة ويُشفيان جميع أوجاع قلبه، ويجلبا له خيرات السماء، وفي النهاية يصير مسكناً للروح القدس.
فلنتُب ما دام لنا زمان قبل أن يأزف الوقت ونُدعى للخروج من الجسد، لأن التوبة هي لزمان قليل بعد، لأن الذي يموت في خطاياه يقول الله إنه لا يذكر له شيئاً من صلاحه. إذن، فلنحرص من الآن حتى نجد عزاءاً في زمان الشدة كالفلاح الذي إذا لم يتعب ويحرث ويزرع في زمان الشتاء لا يجد في زمان الجفاف ما يجمعه إلى مخازنه ولا ما يقتات به.
هكذا نحن، فليحرص كل واحد منّا على قدر قوته، فإذا لم نقدر كلنا أن نُكلَّل مع الكاملين، فلا بأس أن نكون دونهم، ولكن لا نكلّ يا أحبائي في الجهاد لنشارك أحباء المسيح، ولا نكون مع ذلك العبد الذي دفن فضة سيده ولم يعمل شيئاً. نحن نجاهد على قدر قوتنا مهما كان قليلاً، لأن إلهنا صالح وهو يُكافئ عوض القليل الكثير.
ولنجتهد لنتشبه دائماً بالصالحين لئلا نندم عندما نجدهم في النهاية في مجد عظيم، فنبدأ نلوم أنفسنا قائلين: يا ليتنا كنا سلمنا أنفسنا للموت في الجهاد حتى نرث هذه النعمة مثلهم! طوبى، يا أولادي، للذين يعملون الآن بكل قوتهم، فإن ساعة واحدة في ذلك المجد والراحعة تجعلهم ينسون كل تعبهم. احرصوا، إذن، لئلا تُعدَموا تلك النعمة. مكتوب في رسائل القديس بولس الرسول أن اهتمام الجسد موت واهتمام الروح حياة وسلام. فليكن اهتمامنا الآن هو في الروح لكي نحيا إلى الأبد ونرث النعيم الدائم.
يا أولادي، أنا أعطي وصيتي لكل واحد منكم أن لا يدنو من الأسرار المقدسة إلاّ وهو مستبرئٌ نفسه (أي يحاكمها فيجدها بريئة)، أمّا إن كان بينه وبين أخيه وجد أي حقد فليمضِ إليه ويُصالح قلبه ويضرب له مطانية، وبعد ذلك يتناول من الأسرار الطاهرة، عالمين أن محبة الأخوة ومصالحة قلوبهم بعضهم نحو بعض هي النعمة كل النعمة وهي العبادة وهي الملكوت ..
أمّا الغضب والحقد والتعيير والحسد والبغضة والغش والرياء، فهذه هي صناعة العدو الملعون، ومَنْ يتبع شيئاً منها فهو يتشبه بالشيطان ويشتغل بصناعته، والذي يطلب خلاص نفسه يهرب من هذه جميعها. واعلموا انّ مخلصنا لم يُقاتل الشيطان بارتفاع لاهوته، لكنه وضع نفسه وتنازل حتى غلب كبرياءه وتجبُّره، وعلَّمنا أن نُقاتله بهذا التدبير حتى نغلبه، فلنلحق باتضاع معلمنا حتى يعطينا الغلبة في قتال عدوّنا.
يا أحبائي، اجعلوا أنفسكم غرباء عن هذا العالم لكي تصيروا أهلاً للخيرات الأبدية. أول معصية كانت بسبب الطعام في الفردوس، وأول الجهاد الذي جاهد به مخلصنا حتى غلب العدو هو بالصوم. فلنجاهد إذن كما علمنا ونتقدّم الآن إلى جهاد الصوم بحيث يكون تعبه حلواً عندكم، واطلبوا الزيادة حتى تأخذوا المكافاة مضاعفة. واعلموا ان صوم الأربعين المفروض علينا ليس الجهاد به وحده هو الذي يدخل بنا إلى الملكوت، وإنما صوم الأربعين هو الخميرة للسنة كلها، فيجب أن نوفيه باحتراس لأن الخميرة إذا فسدت أفسدت العجين كله.
والصوم مربوطٌ بعدّة فضائل لا يثمر إلا معها وبها، وجميعها أنتم تعرفونها، فاحترسوا في صومكم من الغفلة، لأنّ أعداءنا الذين يحسدوننا إن هم ظفروا بنا فلن يرْثوا لهلاكنا، وكلما غفلنا نحن ازدادوا هم حرصاً على هلاكنا، فلا تُفرِّحوا أعداءنا ولا تُكمِّلوا مشيئة مبغضينا لأنهم يريدون تبديد أتعابنا.
وفي أيام الخماسين، إذا لم تقدروا أن تصوموا أو تضربوا مطانيات فالزموا السهر وقراءة الكتب الإلهية بنشاط، وتمموا خدمتكم بحرص ولا تتوانوا عن الذهاب إلى الكنيسة بمخافة. واعلموا أنّ الملاك الموَّكَّل بالسرائر المقدسة يعرف مَنْ هو المستحق ويفرح به ويطوِّبه، أمّا غير المستحق فيحزن عليه ويعطيه الويل لأنه إنما يأخذ ناراً في جسده. فاحترسوا، يا أولادي، وتحفّظوا حتى لا يتقدم أحدٌ إلى الأسرار المقدسة وهو في شكٍّ لسبب من الأسباب لئلا يهلك وهو لا يدري.
واجعلوا دخولكم إلى الكنيسة مبكراً لتسمعوا المزامير والتسبحة ثم قراءة الكتب - كما علمنا الرسل في قوانينهم - قبل أن تأخذوا جسد المسيح ودمه المحيين، لأنه يطرد من نفوسكم كل قوات الظلمة ويطهِّر قلوبكم من كل دنس، لأنه شفاءُ للنفس وبه تُحفَظ من كل قوات العدو كما قال سيدنا: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو 6). أمّا الذي يتهاون ويظل بلا قربان فإن قوات الظلمة تقوى عليه وتدنِّس قلبه ويكون غريباً من النعمة التي أعطاها له مخلصنا.
فيجب علينا ألا نترك في أنفسنا علّةً تمنعنا من التناول، بل نكون ملازمين لنقاوة الضمير وطهارة النفس متحدين دائماً بالمسيح، لأننا بذلك ننعتق من سلطان العدو، ولا يبقى له فينا مطمعٌن ولا يجد إلينا سبيلاً لهلاك أنفسنا وخسارة تعبنا وإبعادنا من خالقنا.
فتيقّظوا بالروح وامتلئوا بالإيمان حتى تمضوا إلى الرب بدالة، ووجوهكم مكشوفة وأعمالكم نيِّرة لتستحقوا الدخول إلى أورشليم السماوية، وتنالوا الإكليل الذي لا يبلى، وطوبى لمَنْ وجد ذلك عند ظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي له المجد مع أبيه وروح قدسه إلى أبد الدهور آمين.
المرجع: فردوس الآباء الجزء الأول، إعداد راهب ببرية شيهيت، والعظة منقولة عن مخطوط رقم س 4 بمكتبة دير أنبا مقار
يا أولادي الأحباء، كثيرة هي أمجاد القديسين، وينبغي أن نغير من أجلها، ونطلب معرفة تدبيرهم وعملهم، ونفتِّش لنعرف كيف استحقوا الملكوت ونالوا النعيم في تلك الرتبة، لأنهم لم يشتروها بمال بل إنهم اقتفوا فقط آثار القديسين الذين قبلهم. وقد اقتنوا المسكنة وتواضع النفس وانسحاق القلب والمجاهدة في الصلاة والمحبة لكل الناس وخوف الله الذي لم يُفارق قلوبهم والذي لا يُبدِّده الغضب، هذه هي فضائل النفس.
ما الجسد فقد رفضوا جميع شهواته، وكانوا جياعاً عطاشاً لا يُنعِّمون ذواتهم بشيء من شهوات الدنيا. بهذا التدبير نالوا هذا المجد وأخذوا إكليل ملكوت السموات. فالآن أي شيء كان لهم وليس لنا سوى أنهم تركوا كل أهوية قلوبهم من أجل الرب، وحملوا الصليب وتبعوه ولم يفصلهم عن محبته شيء آخر؟
أما نحن فليس فينا حب الله تاماً كاملاً مثل آبائنا القديسين الذين أحبوا الله حبّاً خالصاً ليس فيه غشُّ ولا رياء، ولم يُبعدهم عن محبته شيء من أمور العالم البتّة: لا مال ولا أولاد ولا أهل ولا إمرأة ولا أخ ولا سلطان، مثل إبراهيم الذي أحبّ الله حبّاً تاماَ ولم يُشفق على ابنه اسحق لما أمره أن يذبحه فأطاعه وعمل مرضاته، ومثل الشهداء القديسين الذين اختاروا حبّ الله على حياتهم وصبروا على صعوبة التعذيب وتقطيع أجسادهم وسفك دمائهم لأجل محبة الله التي انغرست فيهم وأكملوا قول بولس الرسول: "ما الذي يُفرِّقني عن حب المسيح؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر ام سيف، لأن هذه كلها وما هو أعظم منها لا يمكن أن يُفرقني عن محبة الله في المسيح" (رو 8)
لما كنت في العمل يا خويا على السفن في الجيش الإنجليزي، فكان المسئولون يقومون بعمل اختبارات كثيرة لين بخصوص الالتزام، والأمانة، ودقة العمل، والمواعيد، وأشياء أخرى كثيرة، فلما تأكدوا إنني إنسان أخاف الله وأحبه، وكنت أستأذن منهم لكي أذهب إلى الكنيسة لأصلي وأتناول، فأحبوني جداً وائتمنوني على كل شيء حتى على أسرهم، فعندما كانت تأتي السفن وبها عائلات الضباط والجنود، كنت أنا المسئول الأول عنهم، ولم يأتمنوا أحداً أن يتعامل معهم أو يدخل إلى السفينة غيري أنا، لأنه كان غالبية أسرهم من النساء والفتيات والأطفال، فكنت أتعامل معهم وأنا واضع في قلبي خوف الله، وأقوم بواجبي نحوهم طول النهار، وعندما يأتي الليل كنت أسحب نفسي دون أن يشعر بي أحد، وأصعد إلى أعلى سطح السفينة بمفردي لكي أبيت هناك، وقبلما أنام كنت أصلي مزامير كثيرة، وأطلب معونة رب المجد يسوع، وأقول له: يارب احفظني من كل مسببات الخطية، أريدك يارب ولا أريد آخر سواك، يارب قوَّني، يارب ساعدني على رضاك، يارب نجني من كل الشرور، وكنت أصلي صلوات كثيرة أخرى إلى أن أشعر بالتعب وأنام.
قبل ما أدخل الدير يا خويا كنت مستحيل أن أخدم كشماس، وأتناول من جسد الرب ودمه، بدون أن أحاسب نفسي حساباً عسيراً على كل شيء، ثم أعترف على أبونا جرجس، وآخذ منه الحِلّ، ثم أتقدم إلى الأسرار الإلهية وأتناول منها، وأنا حاسس أني غير مستحق لهذه النعمة العظيمة ... وعندما دخلت الدير اعترفت على أبونا عبد الملاك السراني، وكان راهباً قديساً، وتعلمت الكثير من خبراته الروحية والرهبانية، وتتلمذت عليه وكنت أذهب إليه كثيراً، واعترف له على كل شيء بالتفصيل، فكان يشجعني ويسندني في الطريق الرهباني، وكان يعطيني نصائح وإرشادات مازلت اعمل بها إلى يومنا هذا.
بعد ثلاث سنوات من رهبنتي قررت أن أسكن في القصر القديم (الحصن) وكان في ذلك الوقت غير صالح للسكنى، إذ كانت أبوابه وشبابيكه معظمها مخلعة ومع ذلك قررت أن أصعد وأسكن فيه. فاستأذنت من أب اعترافي وأبونا الربيتة وسكنت في القلاية التي بجوار كنيسة الملاك في الدور الرابع ولم يكن بتلك القلاية سوى حصيرة، وكان قانوني الروحي هو الصوم إلى المساء وصلاة المزامير وعمل ميطانيات كثيرة واللي كانوا بيدفوني في أيام الشتاء القارس.
عندما كان يثور العدو عليَّ يا خويا كنت أذهب في منتصف الليل والجميع نيام وأدخل إلى الهيكل وأقف أمام المذبح وأصلي إلى الله بدموع كثيرة جداً ومن كثرتها كان المذبح يتبلل. وكنت أشرح له كل ما يصيبني من ضيق وألم وتعب وأطلب منه يا خويا المساندة والمعونة فكان الله يستجيب لي في الحال ويرسل لي المعونة، فكنت أفرح لذلك جداً وأخرج من الكنيسة وأنا في قمة الفرح والعزاء الروحاني، وكنت أشكر الله على هذه النعم العظيمة التي لا أستحقها يا خويا.
بعد عدة سنوات من سُكناي في القصر القديم جاءتني فكرة أن أخرج إلى السياحة في البرية الجوانية فطلبت من الأنبا ثاؤفيلوس أن يسمح لي بذلك لكنه قال لي: "استنى با ابني شوية". ثم حدث أن تقابل مع البابا كيرلس السادس وأخبره بأمري، فطلب منه البابا كيرلس السادس أن يُرسلني إليه. وفعلاً جاء الأنبا ثاؤفيلوس وقال لي: "روح لسيدنا البابا عايزك". فروحت لسيدنا فقال لي: "يا ابني احنا عايزينك تخدم معانا في دير مارمينا وتعمر هناك". فقلت له: "بس أنا يا سيدنا فقير وغلبان وما عنديش حاجة"، فقال لي: "اسمع الكلام يا ابني وقول حاضر". وفعلاً أطعت وروحت دير مارمينا مع أبونا متياس وأنجيلوس وأبونا مرقس.
وهناك كنت ماسك شغل المطبخ ونظافة الدير فكنت أقوم بالليل وأكنس طرقات الدير وأمسحها دون أن يعرف أحد بذلك لأني في الحقيقة كنت بحب مارمينا أوي.
وكنا بنجيب المية بتاعتنا من بير جنبنا بحوالي 2 كم وكان أبونا المسئول باخد الكارتة بالحمار ويجيب لنا المية ويجي وفي ويوم الحمار، الظاهر أنه تعب من الشغل الكثير، فاتمرد على أبونا وطلع يجري وما قدرناش نربطه على الكارتة، فقلت لأبونا خلاص سيب لي أنا موضوع المية دة. فروحت بشجاعة كدة وابتديت أجر الكارتة مكان الحمار مسافة الـ 2 كم دول وجبت المية ورجعت للدير وأنا جارر الكارتة برضه. وبعدين أحد الآباء قال لي إن مارمينا ظهر له وقال له أنا مستحيل أنسى لأبونا فلتاؤس أنه حط نفسه مكان الحمار وجر الكارتة علشان يجيب المية للآباء وللدير بتاعي.
عندما كنت في دير مارمينا، كان يأتي إلينا هناك قداسة البابا كيرلس السادس، وكنت كل يوم أفرش المذبح وأرفع البخور باكر لقداسته، وكنت في غالبية الأيام أشترك معه في صلاة القداس، وفي أحد الأيام وكنا في الصوم الكبير وكان القداس متأخراً، فذهبت إلى الكنيسة وفرشت المذبح ورفعت بخور باكر، وإذ برحلة جاءت لتزور الدير ودخلت الكنيسة، وكانت كلها من النساء والبنات وكن لابسات ملابس المصايف، وكانت مناظرهن معثرة جداً، فزاروا الكنيسة والدير ثم انصرفوا إلى خارج الدير، فعنفت نفسي وقلت: كيف أنا راهب وأرى هذه المناظر، ثم بعد ذلك أصلي مع قداسة البابا وأتناول؟ إن هذا غير لائق، فأخذت تونيتي وقلت في نفسي: أنا سأعود إلى القلاية قبل ما يأتي قداسة البابا إلى الكنيسة، وبينما أنا خارج من الكنيسة إذ بقداسة البابا كيرلس يدخل إلى الكنيسة، فقال لي: رايح فين يا حبيب أبوك؟ فقلت لقداسته: أنا غير مستحق أن أصلي وأتناول في هذا اليوم، وحكيت لقداسته عن الرحلة، وحاولت أن أتهرب منه بأي أسلوب أو أي طريقة، فإذ بقداسته يمسك يدي ويقول لي: معلش يا ابني متخليش الشيطان يلعب بيك، هات التونية وتعال صلي معي، فقلت لقداسته: أخطأت حاللني يا سيدنا عن هذه المناظر، فقال لي: تعال يا ابني الله يحاللك، وصليت مع قداسته بعدما أخذت منه الحِلّ وتناولت وشكرت ربنا.
بعد ما قضيت عدة شهور في دير مارمينا في الخدمة والتعب والجهاد تعرضت لتجربة قاسية من عدو الخير إذ ضربني على كتفي الأيمن مما أدى إلى شلل ذراعي بالكامل وعندما عرف أحد الآباء بذلك نصحني بالتوجه إلى البابا كيرلس على القور وفعلاً ذهبت لسيدنا في البطرخانة وما أن رآني حتى قال لي "سلامتك يا ابني متخافش". ثم أخذ الصليب وصلى لي كثيراً ثم خبطني بالصليب على ذراعي المشلول ثلاث خبطات وقال لي: ياللا خلاص حرك ذراعك مفيش حاجة". وفعلاً في الحال حركت ذراعي فشكرت سيدنا وقلت له: "طيب يا سيدنا حاللني بقى أرجع ديري كفاية". فقال لي: "خلاص يا ابني. الله يحاللك ارجع ديرك وما تخافش أنا هاجي أزورك وأكون معاك دايماً". وفعلاً سيدنا نفذ وعده ده ورجعت ديري بسلام.
بعد عودتي من دير مارمينا كان البابا كيرلس السادس يزورني بالروح على فترات متقاربة وذلك للاطمئنان عليَّ وتشجيعي على الجهاد الروحي والرهباني ولإرشادي وتدبيري في بعض الأمور العالية وحدث في سنة 1963م، أنه بينما أنا كنت في قلايتي فُتح باب المحبسة، وإذ بي أمام حبيبي البابا كيرلس السادس، والصليب الذي بيده يشع نوراً، ووجهه ملائكي مضيء جداً، فقمت على الفور وعملت له ميطانية، فقال لي: "تعال يا بني نروح الكنيسة، فروحت معاه. ولما ذخلنا الكنيسة سجد قاسته أمام هيكل الله .. وسجدت أنا أيضاً. ثم اتجه قداسته نحو أجساد القديسين الموجودة بكنيسة الدير، وقال "احنا بنكرم هؤلاء الشهداء والقديسين، من أجل سيرتهم العطرة، وجهادهم الصادق على اسم ربنا يسوع المسيح، ومن أجل محبتهم الكاملة والثابتة له". فعملت له ميطانية، وباركني، وشملني بدعواته، ثم انصرف.
في أحد الأيام لم يكن معي أي نقود، وكنت محتاج أن أشتري بعض الأشياء، فأخذت أصلي وأطلب من البابا كيرلس أن يرسل لي ما أتدبر به أموري، فأخذت أصلي وأطلب من البابا كيرلس أن يرسل لي ما أتدبر به أموري. وبعد يومين أو ثلاثة، زارني أحد الأحباء، وقدم لي عشرة جنيهات، على سبيل البركة، فرفضت آخذها - برغم احتياجي - ولكن بعد يومين جاءني نفس الأخ وقال لي: "يا أبونا البابا كيرلس جاني في الحلم وقال لي: اعط الفلوس دي لأبونا فلتاؤس وقول ه إني أنا اللي باعتك"، فأخذتها منه وشكرت الله، وشكرت حبيبي وشفيعي البابا كيرلس السادس على عنايته بي حتى في أموري المادية.
النفوس الطاهرة تعاين الأمجاد السماوية، إن نفوس الأطهار دائماً يشرق عليها شعاع الروح القدس، ويطلعهم على الأسرار الإلهية السماوية الغير منطورة بعين الجسد. إذا وصل الإنسان إلى درجة الطهارة، يستطيع أن يرى ملائكة الله على المذبح، وخدام الله يراهم في الهيكل، بالطهارة يستطيع الإنسان أن يشترك في النظرة الإلهية، النظرة الخفية، حتى أن عينيه يمكنهما أن تخترقا أسرار العالم الروحاني المحيط به، أي أرواح الذين انتقلوا، وأرواح الملائكة، وحتى أرواح الشياطين، والآباء السواح نراهم على طبيعتهم ونرى تحركاتهم، ويمكن أن نعاينهم بعين الجسد والروح. بالطهارة أيضاً نرى السمائيين، ونرى مجد الله حالاً على المذبح، بالطهارة تنكشف لنا الأسرار الإلهية التي على المذبح بوضوح، نرى الشاروبيم والسارافيم، نرى القديسين وهم محيطين بالمذبح. الطهارة عالية، عالية جداً.
اسمع يا خويا
أنا من يوم ما دخلت الدير إلى هذه اللحظة،
وأنا أمين مع ربنا في كل شيء،
في تدبير سيرتي وكل تصرفاتي،
لذلك يا خويا ربنا استأمني على مواهب كثيرة،
فاهم يا خويا.
المرجع: كتب الراهب القمص فلتاؤس السرياني، إصدار دير العذراء السريان ببرية شيهيت.
لما كنت شاباً صغيراً كان يوجد بالعمارة التي كنا نسكن فيها في حي شبرا أسره إجريكية تسكن بالدور الأرضي من العمارة، وكنت أعثر منهم جداًن ولكن يا خويا أنا كنت بخاف الله وكنت مواظباً على حضور القداسات وكنت شماساً أواظب على خدمة المذبح والتناول من جسد الرب ودمه، وكنت مواظباً على الاعتراف عند أبونا جرجس بطرس، وكنت مستحيل أن أعمل شيء يُغضب ربنا مني، ولكي أهرب من هذه العثرات، استأذنت من أسرتي واستأجرت غرفة بمفردي بعيدة عن العمارة كلها، لكي أحافظ على علاقتي بربنا.
بعدما أخذت البكالوريا، وقبل أن أعمل في الجيش الإنجليزي، عملت لوقت قصير في محلات صيدناوي بشبرا، وكان معي في العمل إنسان غير مسيحي، فكان يعمل أعمالاً لا تليق بإنسان يخاف الله، وأراد أن يشركني معه في هذه الأعمال، وهي تزوير بعض المستندات بقصد أن يكسب من ورائها، فرفضت بشدة وقلت له: لا يا أخويا أنا إنسان أعرف ربنا، وأخاف أن أعمل أي شيء يغضبه، مستحيل أن أكون غير أمين في هذا المكان، فحاول معي أكثر من مرة فكان يجد في كل مرة رفضاً أشد من سابقه، فتضايق هذا الإنسان مني بشدة، لدرجة أنه هددني بالقتل، وأنا يا خويا لم أكن أخاف منه. وفي أحد الأيام حاول أن يعتدي عليَّ، فكانت توجد بيده مطواة وأراد أن يطعنني بها إن لم أشترك معه في التزوير، وكان يوجد بجواري شباك، ونحن كنا في الدور الرابع، فلم أجد وسيلة للهروب من هذا الموقف إلا هذا الشباك، فرشمت ذاتي بعلامة الصليب وطلبت شفاعة العذراء والقديسين، وقفزت من الشباك من الدور الرابع، وإذ بي أشعر أن شخصاً يحملني ويهبط بي بهدوء شديد، إلى أن وصلت إلى الأرض بسلام، ولم تحدث لي أي إصابات على الإطلاق، فاجتمع حولي أناس كثيرون، وأخذوني وذهبوا بي إلى مدير العمل، وعرف كل ما حدث لي وحاول أن يرضيني ويعطيني مكافأة، ولكنني صممت أن أقدم استقالتي من هذا العمل، وبعدها التحقت مع الجيش الإنجليزي.
فاهم يا خويا
القمص فلتاؤس السرياني
(1922-2010)